معركة عين جالوت

حدث في رمضان :

تولى حكم مصر السلطان المملوكي (قطز) سنة 657هـ, وكان عليه أن يواجه الخطر المغولي الذي داهم المشرق الإسلامي, فاحتل بغداد ومدن الجزيرة وشمال الشام, وتقدم نحو مصر حتى وصل غزة, كما كان عليه التعامل مع الصليبيين الذين يتربعون في بلاد الشام بحزم.

اتصل (قطز) بحكام الأيوبيين في الشام لتوحيد صفوف المسلمين, ولم شعثهم في مصر والشام لصد العدوان المغولي, فاستجاب له من أبت عليه عقيدته الإسلامية الاستسلام للمغول, أو الاستكانة, وبدأ تنظيم الصفوف, وما إن وصلت طلائع المغول بلاد الشام حتى أرسل (هولاكو) القائد المغولي كتاب تهديد ووعيد إلى (قطز), وطلب منه الاستسلام, وقال له:

"يعلم الملك المظفر (قطز) وأمراء دولته أنا نحن جند الله في أرضه, خلقنا من سخطه, وقد سمعتم أننا فتحنا البلاد. وطهرنا الأرض من الفساد, وقتلنا معظم العباد, فعليكم بالهرب, وعلينا بالطلب, فاتعظوا بغيركم, وسلموا إلينا أمركم".

استدعى (قطز) الأمراء وقرأ عليهم الرسالة, وشاورهم في الأمر, فاقترح بعض الأمراء الاستسلام, واقترح البعض مغادرة البلاد إلى شمال إفريقيا, ولكن (قطز) لم يأبه للتهديد, وقال: "إن الرأي أن نتوجه جميعا إلى القتال, فإذا ظفرنا فهو المراد, وإلا فلن نكون ملومين أمام الخلق", ثم قام بقتل رسل المغول, وعلق رؤوسهم على باب القاهرة (زويلة) واستعد للحرب, وقد حاول بعض الأمراء المتخاذلين أن يثنوه عن ذلك, فأخذوا نصيبهم من التقريع والإهانة, وقال لهم: "يا أمراء المسلمين.. لكم زمان تأكلون أموال بيت المال, وأنتم للجهاد كارهون, أنا متوجه للقتال, فمن اختار الجهاد يصحبني, ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته, فإن الله مطلع عليه, وخطيئة المسلمين في رقاب المتأخرين".

وكان العلماء وعلى رأسهم (عز الدين بن عبد السلام), قد حثوا الناس على قتال العدو, وأجازوا أن يأخذ الحكام من الرعية ما يستعينون به على الجهاد إذا لم يبق في بيت المال شيء, وشريطة أن يبيع الأمراء الآلات النفيسة والذهب الذي يملكونه لإنفاقه في الجهاد, وليتساووا مع العامة.

أثارت كلمات (قطز) وفتوى (العز بن عبد السلام) حماس المسلمين, فأخذ (قطز) يستعد للقاء المغول, وأرسل قوة بقيادة (بيبرس) لاستطلاع أخبار المغول, فلما وصلت غزة انسحب المغول, وزحف (قطز) بجيش لجب إلى طبرية في فلسطين.

اتفق (قطز) أن يبقى الصليبيون على الحياد, وهددهم إذا خانوا العهد وتعرضوا لجيشه فسيقضي عليهم, وشاء الله أن يموت الخاقان الأكبر ملك المغول في تلك الأثناء, فترك (هولاكو) الشام عائدا إلى قرة قروم لاختيار الخاقان الجديد تاركا الجيش المغولي بقيادة (كتبغا).

وصل (قطز) إلى عين جالوت قرب بيسان في فلسطين, فرتب الجيش, ووضع كمينا لمفاجأة المغول, وعندما علم (كتبغا) بوصول (قطز) إلى عين جالوت قرر منازلة المسلمين على مضض, إذ كان راغبا في الانتظار حتى يعود (هولاكو).

التقى الجيشان الإسلامي والمغولي, ودارت معركة حامية الوطيس في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ, حمل فيها المسلمون بصدق على المغول, وسرعان ما فوجئ المغول بالكمين المسلم الذي انقض عليهم من كل جانب, فضاع صوابهم, واضطربت سيوفهم, ولاذوا بالفرار تاركين معظم الجيش قتلى على الأرض بما فيهم قائدهم (كتبغا).

ويعلل المؤرخون انتصار (قطز) على جيش المغول الذي أرعب العباد الى عدد من العوامل منه: خطة (قطز) القتالية البارعة, وحسن استخدامه للكمين, ووقوف الصليبيين على الحياد في هذه المعركة, بالإضافة إلى ضعف معنويات المغول بسبب غياب القائد العام (هولاكو), وتردد (كتبغا) في منازلة المسلمين, وأيضا طول خطوط مواصلات المغول وبعدهم عن حاضرة بلادهم في قلب آسيا.

نتائج معركة عين جالوت:

تعتبر معركة عين جالوت من المعارك الفاصلة في التاريخ, وترتب عليها نتائج هامة منها:

· قضت على الخرافة القائلة إن المغول قوم لا يغلبون, فقد كانت المعركة نهاية الغزو المغولي للعالم, وبدء تراجعه إلى الوراء.
· أعادت المعركة وحدة مصر والشام.
· ارتفع شأن المماليك في نظر العرب في مصر والشام, مما جعلهم يتولون قيادة البلاد بموافقة العرب, في الوقت الذي فقد فيه ملوك الأيوبيين أي حق شرعي في الملك لتواطئهم مع المغول وخيانتهم.
· أنقذت عين جالوت معالم الحضارة الإسلامية الباقية في مصر من الدمار الذي حل بالمشرق الإسلامي على يد المغول, ولا سيما في تركستان وبغداد والشام.
· أصبحت القاهرة مركز إشعاع الثقافة العربية الإسلامية يؤمها العلماء والأدباء.
· أعادت الهزيمة الرشد إلى المغول ففكروا بالإسلام واعتنقه الكثير منهم.

مختصر التاريخ الإسلامي(بتصرف)

محمد عبد الله عودة وآخرون

رمضان شهر الفتوحات والانتصارات
وعين جالوت كانت معركة فاصلة أنهت توغل المغول الذين عاثوا في الأرض فسادا
وكانت النهاية على يد القائد قطز رحمه الله
ونسأل الله أن يبعث لنا أمثاله لتحرير الديار المقدسة الفلسطينية من اليهود الأنذال